فصل: ما يقطع أحكام القرابة من الرّدة أو اختلاف الدّين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


حكم قراءة القرآن

15 - يستحبّ الإكثار من قراءة القرآن خارج الصلاة، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ‏}‏، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

واختلف الفقهاء في عدد الأيام التي ينبغي أن يختم فيها القرآن‏.‏

ذهب المالكية والحنابلة إلى أنه يسنّ ختم القرآن في كلّ أسبوع لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو‏:‏ «اقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك»‏.‏

قالوا‏:‏ وإن قرأه في ثلاث فحسن، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال‏:‏

«قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي قوةً، قال‏:‏ اقرأ القرآن في كلّ ثلاث»‏.‏

لكن نص المالكية بأن التفهّم مع قلة القرآن أفضل من سرد حروفه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ‏}‏‏.‏

وصرح الحنابلة بكراهة تأخير ختم القرآن فوق أربعين يوماً بلا عذر لأنه يفضي إلى نسيانه والتهاون فيه، وبتحريم تأخير الختم فوق أربعين إن خاف نسيانه‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ ينبغي لحافظ القرآن أن يختم في كلّ أربعين يوماً مرةً‏;‏ لأن المقصود من قراءة القرآن فهم معانيه والاعتبار بما فيه لا مجرد التّلاوة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا‏}‏، وذلك يحصل بالتأنّي لا بالتواني في المعاني، فقدر للختم أقله بأربعين يوماً، كل يوم حزب ونصف أو ثلثا حزب، وقيل‏:‏ ينبغي أن يختمه في السنة مرتين، روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال‏:‏ من قرأ القرآن في السنة مرتين فقد قضى حقه‏.‏

وصرح الحنفية بأنه لا يستحبّ أن يختم في أقل من ثلاثة أيام، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث»‏.‏

قال النوويّ بعد أن ذكر آثاراً عن السلف في مدة ختم القرآن‏:‏ والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدّين ومصالح المسلمين عامةً فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل والهذرمة‏.‏

قراءة الحائض والنّفساء والجنب للقرآن

16 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يحرم على الحائض والنّفساء قراءة القرآن لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن»‏.‏

وذهب المالكية إلى جواز قراءة الحائض والنّفساء للقرآن‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏حيض ف /39‏)‏‏.‏

واتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنه يحرم على الجنب قراءة القرآن، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا أن يكون جنباً»‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏جنابة ف /17‏)‏‏.‏

قراءة القرآن على المحتضر والقبر

17 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى ندب قراءة سورة يس عند المحتضر، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اقرءوا يس على موتاكم»، أي من حضره مقدّمات الموت‏.‏

كما ذهبوا إلى استحباب قراءة القرآن على القبر، لما رُوِيَ عن أنس مرفوعاً‏:‏ «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من دفن فيها حسنات»، ولما صح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها‏.‏

وذهب المالكية إلى كراهة قراءة القرآن عند المحتضر وعلى القبر‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏احتضار ف /9، ومصطلح‏:‏ قبر‏)‏‏.‏

قراءة القرآن للميّت وإهداء ثوابها له

18 - ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز قراءة القرآن للميّت وإهداء ثوابها له، قال ابن عابدين نقلاً عن البدائع‏:‏ ولا فرق بين أن يكون المجعول له ميّتاً أو حيّاً، والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ الميّت يصل إليه كلّ شيء من الخير، للنّصوص الواردة فيه‏;‏ ولأن الناس يجتمعون في كلّ مصر ويقرءون يهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعاً، قاله البهوتيّ من الحنابلة‏.‏

وذهب المتقدّمون من المالكية إلى كراهة قراءة القرآن للميّت وعدم وصول ثوابها إليه، لكن المتأخّرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذّكر حمل الثواب للميّت ويحصل له الأجر‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ في آخر نوازل ابن رشد في السّؤال عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى‏}‏، قال‏:‏ وإن قرأ الرجل وأهدى ثواب قراءته للميّت جاز ذلك وحصل للميّت أجره‏.‏

وقال ابن هلال‏:‏ الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيّين أن الميّت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقاً وغرباً، ووقفوا على ذلك أوقافاً، واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة‏.‏

والمشهور من مذهب الشافعيّ أنه لا يصل ثواب القراءة إلى الميّت‏.‏

وذهب بعض الشافعية إلى وصول ثواب القراءة للميّت‏.‏

قال سليمان الجمل‏:‏ ثواب القراءة - للقارئ، ويحصل مثله أيضاً للميّت لكن إن كان بحضرته، أو بنيته، أو يجعل ثوابها له بعد فراغها على المعتمد في ذلك‏.‏

وصرحوا بأنه لو سقط ثواب القارئ لمسقط كأن غلب الباعث الدّنيويّ كقراءته بأجرة فإنه لا يسقط مثله بالنّسبة للميّت‏.‏

ونصّوا على أنه لو استؤجر للقراءة للميّت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ له عند قبره لم يبرأ من واجب الإجارة‏.‏

قراءة القرآن للاستشفاء

19 - صرح الفقهاء بجواز الاستشفاء بقراءة القرآن على المريض، قال ابن عابدين‏:‏ وعلى الجواز عمل الناس اليوم وبه وردت الآثار، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوّذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه‏;‏ لأنها كانت أعظم بركةً من يدي»‏.‏ قال النوويّ‏:‏ يستحبّ أن يقرأ عند المريض بالفاتحة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وما أدراك أنها رقية»‏.‏

ويستحبّ أن يقرأ عنده‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏}‏ مع النفث في اليدين، فقد ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

الاجتماع لقراءة القرآن

20 - صرح الشافعية والحنابلة بأن الاجتماع لقراءة القرآن مستحبّ، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»‏.‏

وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه كان يدرس القرآن مع نفر يقرءون جميعاً‏.‏

قال الرحيبانيّ من الحنابلة‏:‏ وكره أصحابنا قراءة الإدارة، وهي أن يقرأ قارئ ثم يقطع، ثم يقرأ غيره بما بعد قراءته، وأما لو أعاد ما قرأه الأول وهكذا فلا يكره‏;‏ لأن جبريل كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن برمضان‏.‏

حكى ابن تيمية عن أكثر العلماء أن قراءة الإدارة حسنة كالقراءة مجتمعين بصوت واحد‏.‏

وقال النوويّ عن قراءة الإدارة‏:‏ هذا جائز حسن، قد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال‏:‏ لا بأس به، وصوبه البنانيّ والدّسوقيّ‏.‏

لكن صرح الحنفية والمالكية بكراهة قراءة الجماعة معاً بصوت واحد لتضمّنها ترك الاستماع والإنصات وللزوم تخليط بعضهم على بعض‏.‏

قال صاحب غنية المتملّي‏:‏ يكره للقوم أن يقرءوا القرآن جملةً لتضمّنها ترك الاستماع والإنصات، وقيل‏:‏ لا بأس به‏.‏

الأماكن التي تكره فيها قراءة القرآن

21 - يستحبّ أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء أن تكون القراءة في المسجد لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة، قاله النوويّ‏.‏

وصرح فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بكراهة قراءة القرآن في المواضع القذرة، واستثنى المالكية الآيات اليسيرة للتعوّذ ونحوه‏.‏

قال الحنفية‏:‏ تكره القراءة في المسلخ والمغتسل ومواضع النجاسة‏.‏

واختلفوا في القراءة في الحمام، فذهب الشافعية إلى جوازها من غير كراهة، وقال المالكية بكراهتها إلا الآيات اليسيرة للتعوّذ ونحوه‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ القراءة في الحمام إن لم يكن فيه أحد مكشوف العورة وكان الحمام طاهراً تجوز جهراً وخفيةً، وإن لم يكن كذلك فإن قرأ في نفسه فلا بأس به ويكره الجهر‏.‏

وكره أبو حنيفة القراءة عند القبور، وأجازها محمد وبقوله أخدّ مشايخ الحنفية لورود الآثار به، منها ما روي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما استحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها‏.‏

ونص الحنابلة على كراهة القراءة بأسواق ينادى فيها ببيع، ويحرم رفع صوت القارئ بها، لما فيه من الامتهان للقرآن‏.‏

الأحوال التي تجوز فيها قراءة القرآن والتي تكره

22 - ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز القراءة في الطريق إذا لم يلته عنها صاحبها، فإن التهى صاحبها عنها كرهت‏.‏

قال في غنية المتملّي‏:‏ القراءة ماشياً أو وهو يعمل عملاً إن كان منتبهاً لا يشغل قلبه المشي والعمل جائزة وإلا تكره‏.‏

وذهب المالكية إلى جواز قراءة القرآن الكريم للماشي في الطريق والراكب من غير كراهة‏.‏ وخص المالكية ذلك للماشي من قرية إلى قرية أو إلى حائطه، وكرهوا القراءة للماشي إلى السّوق، والفرق أن الماشي للسّوق في قراءته ضرب من الإهانة للقرآن بقراءته في الطّرقات، وليس كذلك الماشي من قرية إلى قرية‏;‏ لأن قراءته معينة له على طريقه‏.‏

وأجاز الفقهاء قراءة القرآن للمضطجع، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن» وفي رواية‏:‏ «يقرأ القرآن ورأسه في حجري»‏.‏

قال الحنفية‏:‏ ويضمّ رجليه لمراعاة التعظيم بحسب الإمكان‏.‏

وقالوا‏:‏ يجب على القارئ احترام القرآن بأن لا يقرأه في الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأه فيهما كان هو المضيّع لحرمته فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال دفعاً للحرج في إلزامهم ترك أسبابهم المحتاج إليها، فلو قرأ القرآن وبجنبه رجل يكتب الفقه ولا يمكن الكاتب الاستماع فالإثم على القارئ لقراءته جهراً في موضع اشتغال الناس بأعمالهم ولا شيء على الكاتب، ولو قرأ على السطح في الليل جهراً والناس نيام يأثم‏.‏

ومثل ذلك ما صرح به الحنابلة من كراهة القراءة بأسواق ينادى فيها ببيع، ومحرم على القارئ رفع الصوت بها‏.‏

وصرح النوويّ بكراهة القراءة للناعس، قال‏:‏ «كره النبيّ صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس» مخافةً من الغلط‏.‏

ونص الحنابلة على كراهة القراءة حال خروج الرّيح، فإذا غلبه الرّيح أمسك عن القراءة حتى يخرجه ثم يشرع بها‏.‏

قال النوويّ‏:‏ ينبغي أن يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجه ثم يعود إلى القراءة، وهو أدب حسن، وإذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ‏.‏

آداب قراءة القرآن

23 - يستحبّ للقارئ في غير الصلاة أن يكون على أكمل أحواله من طهارة الباطن والظاهر مستقبلاً للقبلة، ويجلس متخشّعاً بسكينة ووقار‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏تلاوة ف /6‏)‏‏.‏

الاستئجار على قراءة القرآن

24 - اختلف الفقهاء في جواز الاستئجار لقراءة القرآن وأخذ الأجرة عليها‏.‏

فذهب المالكية والشافعية إلى جواز الاستئجار على قراءة القرآن‏.‏

قال الشافعية‏:‏ وإذا قرأ جنباً ولو ناسياً لا يستحقّ أجرةً‏.‏

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يصحّ الاستئجار على القراءة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والاستئجار على التّلاوة وإن صار متعارفاً، فالعرف لا يجيزه‏;‏ لأنه مخالف للنصّ، وهو ما استدل به أئمتنا من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكبروا به»، والعرف إذا خالف النص يردّ بالاتّفاق، والذي أفتى به المتأخّرون جواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته خلافاً لمن وهم‏.‏ لكن صرح الحنابلة بأنه يجوز أخذ الجعالة على تعليم القرآن بلا شرط على الصحيح من المذهب‏.‏

ثانياً‏:‏ قراءة غير القرآن الكريم

قراءة كتب الحديث

25 - سئل ابن حجر الهيتميّ عن الجلوس لسماع الحديث وقراءته هل فيه ثواب أم لا‏؟‏ فقال‏:‏ إن قصد بسماعه الحفظ وتعلّم الأحكام أو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أو اتّصال السند ففيه ثواب، وأما قراءة متون الأحاديث فقال أبو إسحاق الشّيرازيّ‏:‏ إن قراءة متونها لا يتعلق بها ثواب خاصّ لجواز قراءتها وروايتها بالمعنى‏.‏ قال ابن العماد‏:‏ وهو ظاهر إذ لو تعلق بنفس ألفاظها ثواب خاصّ لما جاز تغييرها وروايتها بالمعنى لأن ما تعلق به حكم شرعيّ لا يجوز تغييره بخلاف القرآن فإنه معجز، وإذا كانت قراءته المجردة لا ثواب فيها لم يكن في استماعه المجرد عما مر ثواب بالأولى، وأفتى بعضهم بالثواب وهو الأوجه عندي‏;‏ لأن سماعها لا يخلو من فائدة لو لم يكن إلا عود بركته صلى الله عليه وسلم على القارئ والمستمع، فلا ينافي ذلك قولهم إن سماع الأذكار مباح لا سنة‏.‏

قراءة الكتب السماوية

26 - نص الحنابلة على أنه لا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب‏;‏ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفةً من التوراة»‏.‏

ومثل الحنابلة الشافعية حيث نصّوا على عدم جواز الاستئجار لتعليم التوراة والإنجيل وعدّوه من المحرمات‏.‏

قراءة كتب السّحر بقصد تعلّمه

27 - للفقهاء في قراءة كتب السّحر بقصد التعلّم أو العمل تفصيلات اتفقوا في بعضها واختلفوا في بعضها الآخر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏سحر ف /13‏)‏‏.‏

قرائن

انظر‏:‏ قرينة‏.‏

قَرابة

التعريف

1 - القرابة لغةً‏:‏ هي القرب في الرحم، قال الرازيّ‏:‏ القرابة والقربى‏:‏ القرب في الرحم وهو في الأصل مصدر، تقول‏:‏ بينهما قرابة وقرب وقربى ومقربة - بفتح الراء وضمّها - وقربة - بسكون الراء وضمّها - وهو قريبي وذو قرابتي وهم أقربائي وأقاربي‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تطرق الفقهاء إلى تعريف القرابة عند كلامهم على الوصية للأقارب أو الهبة لهم، ويمكن حصر تعريفاتهم للقرابة في اتّجاهات سبعة‏:‏

الاتّجاه الأول‏:‏ تضييق دائرة القرابة وقصرها على القرابة من جهة الأب دون من كان من جهة الأمّ، وهي الرّواية الراجحة عن الإمام أحمد، ويقتصر بها على أربعة آباء فقط، فلو قال‏:‏ أوصيت لقرابة فلان دخل فيها أولاده وأولاد أبيه وأولاد جدّه وأولاد جدّ أبيه، وعن أحمد رواية أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمّه إن كان يصلهم في حياته، وإن كان لا يصلهم لم يعطوا شيئاً‏.‏ وحكى النوويّ أن قرابة الأمّ لا تدخل في الوصية للأقارب في الأصحّ‏.‏

الاتّجاه الثاني‏:‏ توسع دائرة القرابة بعض الشيء فتشمل قرابة الأمّ وقرابة الأب من الرحم المحرم الأقرب فالأقرب غير الوالدين والمولودين، وقد نقلها علماء الحنفية عن أبي حنيفة ورجحها الكاسانيّ‏;‏ لأن القرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم، ولأن الاسم يتكامل بها، وأما غيرها من الرحم غير المحرم فناقص، فكان الاسم للرحم المحرم لا لغيره‏.‏

ولا يدخل فيها الآباء والأجداد والأولاد والأحفاد في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة‏.‏

وقد ذكر الحصكفيّ أن من قال للوالد أنه قريب فهو عاقّ‏.‏

وقال الكاسانيّ‏:‏ الوالد والولد لا يسميان قرابتين عرفاً وحقيقةً أيضاً‏;‏ لأن الأب أصل والولد جزؤه، والقريب من تقرب إلى الإنسان بغيره لا بنفسه، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ‏}‏، والعطف يقتضي المغايرة في الأصل‏.‏

الاتّجاه الثالث‏:‏ إطلاق القرابة على ذوي الرحم المحرم غير الوالدين وولد الصّلب، ويدخل فيها الأجداد والأحفاد، وقد نقل هذا عن أبي حنيفة في الزّيادات فذكر أن الأجداد والأحفاد يدخلان ولم يذكر خلافاً‏.‏

الاتّجاه الرابع‏:‏ إطلاق القرابة على كلّ ذي رحم وإن بعد، سواء كان محرماً أو غير محرم، غير الأصل والفروع ذكرها الخطيب الشّربينيّ‏.‏

الاتّجاه الخامس‏:‏ إطلاق القرابة على كلّ ذي رحم وإن بعد إلا الأب والأمّ والابن والبنت من أولاد الصّلب ورجحها النوويّ في المنهاج، وهو رأي محمد بن الحسن وقول لأبي يوسف‏.‏

الاتّجاه السادس‏:‏ إطلاق القرابة على أيّ قرابة وإن بعدت ويدخل فيها الأب والأمّ وولد الصّلب، كما يدخل فيها الأجداد والأحفاد ورجحها السّبكيّ وقال‏:‏ هذا أظهر بحثاً ونقلاً، وهو نصّ الشافعيّ في الأمّ، وهو معنى كلام مالك في المدونة‏.‏

الاتّجاه السابع‏:‏ إطلاق القرابة على أيّ قرابة وإن بعدت من جهة الأب أو من جهة الأمّ أو من الأولاد، ويحمل عليها الزوجية والولاء والرضاع‏.‏

وهذا الاتّجاه مستنبط من كلام العلماء في أبواب متفرّقة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النسب‏:‏

2 - النسب في اللّغة واحد الأنساب، والنِّسبة والنُّسبة مثله وانتسب إلى أبيه أي اعتزى‏.‏ وتنسب أي ادعى أنه نسيبك، وفي المثل‏:‏ ‏"‏القريب من تَقَرَّب لا من تَنَسَّب ‏"‏‏.‏

وفلان يناسب فلاناً فهو نسيبه أي قريبه‏.‏

وشرعاً عبر عنه الخطيب الشّربينيّ بأنه القرابة‏.‏

وعبر عنه البهوتيّ بأنه الرحم وتابعه التّمرتاشيّ عليه، فبدل أن يذكر كلّ منهما النسب في أسباب الميراث ذكر ما ذكر وجمع بينهما الفرضيّ في قوله‏:‏ أو بقرابة لها انتساب‏.‏

وقصره الشيخ زكريا الأنصاريّ والبجيرميّ على غير ذوي الرحم‏.‏

وحصر ابن الجلاب النسب في البنوة والأبوة والأخوة والعمومة وما تناسل منهم‏.‏

ومما تقدم لنا في تعريف القرابة هذا نرى أن النسب بينه وبين القرابة عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في الاتّصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة، وينفرد الأعمّ في غير ذلك من أنواع القرابة‏.‏

ب - المصاهرة‏:‏

3 - قال الجوهريّ‏:‏ الأصهار أهل بيت المرأة، عن الخليل‏.‏ وقال‏:‏ من العرب من يجعل الصّهر من الأحماء والأختان جميعاً‏.‏

يقال‏:‏ صاهرت إليهم‏:‏ إذا تزوجت فيهم‏.‏

وأصهرت بهم‏:‏ إذا اتصلت بهم، وتحرمت بجوار أو نسب أو تزوّج‏.‏

وشرعاً تطلق على قرابة سببها النّكاح كما يفهم من كلام الفقهاء على أسباب الميراث وعلى محرمات النّكاح‏.‏

وعلى هذا يكون بين القرابة وبين المصاهرة عموم وخصوص مطلق أيضاً‏.‏

ج - الرحم‏:‏

4 - الرحم في اللّغة‏:‏ رحم الأنثى وهي مؤنثة‏.‏

والرحم أيضاً القرابة‏.‏

وشرعاً أطلقه الفقهاء بما يرادف القرابة أحياناً، وبما يدلّ على نوع منها وهم الأقارب غير ذوي الفرض أو العصوبة أحياناً، فعلى الأول هي مرادفة للقرابة، وعلى الثاني يكون الرحم أخص من القرابة‏.‏

د - الولاء‏:‏

5 - قال الجوهريّ‏:‏ الولاء‏:‏ ولاء المعتِقُ، والمولى‏:‏ المعتَق والمعتق‏.‏

ويطلق شرعاً على‏:‏ عصوبة سببها نعمة المعتق مباشرةً أو سرايةً أو شرعاً كعتق أصله وفرعه، وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الولاء بمنزلة النسب»‏.‏

وعلى هذا يكون بين الولاء وبين القرابة حسب الاتّجاه السابع عموم وخصوص مطلق أيضاً‏.‏

هـ - الرضاع‏:‏

6 - الرضاع لغةً اسم لمصّ الثدي‏.‏

وشرعاً اسم لوصول لبن امرأة أو ما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط مخصوصة‏.‏

وبين الرضاع والقرابة عموم خصوص مطلق، فقد اتفق العلماء على أن الرضاع يجري مجرى الولادة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقرابة

أولاً‏:‏ قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم - ذوو القربى

المراد بهم‏:‏

7 - اختلف العلماء في المراد بقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهم آله على مذاهب‏:‏ المذهب الأول‏:‏ أنهم بنو هاشم فقط، وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك، ويعلّل الخرشيّ لذلك فيقول‏:‏ لأن الصحيح أن آله من اجتمع معه عليه الصلاة والسلام في هاشم، والمطلب لم يجتمع معه عليه السلام في هاشم، لأن المطلب أخو هاشم ولهما أيضاً أخوان‏:‏ عبد شمس ونوفل، ففرع كلّ من عبد شمس ونوفل ليس بآل قطعاً، وفرع هاشم آل قطعاً، وفرع المطلب المشهور أنه ليس بآل‏.‏‏.‏‏.‏ والمطلب وهاشم شقيقان وأمّهما من بني مخزوم، وعبد شمس ونوفل شقيقان وأمّهما من بني عديّ‏.‏

ويبيّن العينيّ المراد ببني هاشم فيقول‏:‏ وبنو هاشم هم آل عليّ وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب‏.‏

يقول الشوكانيّ‏:‏ ولم يدخل في ذلك آل أبي لهب، لما قيل من أنه لم يسلم أحد منهم في حياته صلى الله عليه وسلم‏.‏ ويردّه ما في جامع الأصول أنه أسلم عتبة ومعتّب ابنا أبي لهب عام الفتح وسر صلى الله عليه وسلم بإسلامهما ودعا لهما، وشهدا معه حنيناً والطائف ولهما عقب عند أهل النسب، وهو رواية عن الإمام أحمد‏.‏

المذهب الثاني‏:‏ أن ذوي القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط وهو المذهب عند الشافعية، والحنابلة، وعليه اقتصر القاضي عياض وقال زرّوق من المالكية‏:‏ إنه المذهب‏.‏

ويؤيّد هذا ما رواه جبير بن مطعم‏:‏ أنه قال‏:‏ مشيت أنا وعثمان بن عفان فقال‏:‏ يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد»‏.‏

وذكر الشافعيّ هذه الرّواية وغيرها وفي بعضها زيادة‏:‏ «لعن الله من فرق بين بني هاشم وبني المطلب»، ويلحق بهم مواليهم لأن مولى القوم منهم‏.‏

المذهب الثالث‏:‏ أن ذوي القربى هم بنو قصيّ وذلك مرويّ عن أصبغ من المالكية، حكاه عنه العينيّ‏.‏

المذهب الرابع‏:‏ أن ذوي القربى قريش كلّها، فقد ورد أنه «لما نزلت‏:‏ ‏{‏وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏}‏، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص فقال‏:‏ يا بني كعب بن لؤيّ، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإنّي لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلّها ببلالها»‏.‏

قال ابن العربيّ بعد أن أورد هذا الحديث‏:‏ فهذه قراباته التي دعا على العموم والخصوص حين أمر أن يدعوهم، لكن ثبت في الصحيح «أن عثمان قال له‏:‏ يا رسول الله، أعطيت بني هاشم وبني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال‏:‏ إنهم لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام»‏.‏

حكم أخذهم من الصدقات والكفارات

8 - قرابته صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع هم‏:‏ بنو هاشم وبنو المطلب وموالي كلّ منهما، وقد اختلف في حكم أخذهم على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏آل ف /6 - 10‏)‏‏.‏

حكم أخذ ذوي القربى من الغنيمة والفيء

9 - للعلماء في هذا مذاهب‏:‏

المذهب الأول‏:‏ ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في أن ذوي القربى وهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب يعطون من الفيء والخمس، يشترك في هذا الغنيّ والفقير والذكر والأنثى ولكن الذكر يأخذ ضعف الأنثى كما في الميراث، وإعطاء بني هاشم وبني المطلب هنا متفق عليه بينهم وإن اختلفت الرّواية عن الإمام أحمد في إعطاء بني المطلب من الزكاة‏.‏

واستدلّوا بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِذِي الْقُرْبَى‏}‏‏.‏

وهذه تحمل على عمومها فيدخل الأغنياء والفقراء فيها، وليس لها ما يخصّصها، بل دل على عمومها قول النبيّ صلى الله عليه وسلم وفعله‏.‏

أما قوله فما رواه جبير بن مطعم قال‏:‏ «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلت‏:‏ يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله عز جل منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة‏؟‏ فقال‏:‏ إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما هو بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال‏:‏ ثم شبك بين أصابعه»‏.‏

وأما فعله فقد ورد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزّبير سهماً وأمه سهماً وفرسه سهمين»‏.‏

وإنما أعطى أمه من سهم ذوي القربى وقد كانت موسرةً‏;‏ ولأنه عطية من الله تعالى تستحقّ بقرابة الأب ففضّل فيه الذكر على الأنثى‏.‏

وفي رواية عن الإمام أحمد وهو قول أبي ثور والمزنيّ وابن المنذر أنه يسوى بين الذكر والأنثى من قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم في إعطائهم من الخمس‏.‏

واستدلّوا على ذلك بأنهم أعطوا باسم القرابة، والذكر والأنثى فيها سواء‏;‏ ولأنه سهم من خمس الخمس فيستوي فيه الذكر والأنثى كسائر سهامه‏.‏

المذهب الثاني للحنفية، وهم يرون أن الفيء لا حق لهم فيه بوصفهم ذوي قربى لأنه لا يخمس وإنما هو خاصّ برسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه كيف يشاء، وينفق منه ما يريد وبعده يكون لعامة المسلمين يصرف في مصالحهم، وأما الخمس في الغنيمة فلا يستحقّون منه شيئاً إلا إذا كانوا فقراء، والصحيح الذي كان عليه الحال في حياة رسول الله‏:‏ أنه كان يعطي الفقراء منهم خاصةً كما يقول الكاسانيّ‏.‏

واستدلّوا على ذلك بما رواه محمد بن الحسن في كتاب السّير أن سيّدنا أبا بكر، وسيّدنا عمر، وسيّدنا عثمان، وسيّدنا عليّاً رضي الله عنهم قسموا الغنائم على ثلاثة أسهم‏:‏ سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل بمحضر من الصحابة الكرام ولم ينكر عليهم أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك‏.‏

مودة آل البيت

10 - اتفق الفقهاء على مودة آل البيت‏;‏ لأن في مودتهم مودة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد ورد في ذلك آثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما ورد من حديث طويل عن زيد بن أرقم جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أذكّركم الله في أهل بيتي، قالها ثلاثاً»‏.‏

ومنها ما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته‏.‏

وقوله‏:‏ والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إلي أن أصل من قرابتي‏.‏

ثانياً‏:‏ القرابة النسبية‏:‏

أقسامها من حيث المحرمية وغيرها

11 - اتفق العلماء على أن القرابة النسبية تنقسم إلى قسمين‏:‏ محارم وغير محارم‏.‏

فالمحارم كلّ شخصين لا يصحّ النّكاح بينهما من القرابة النسبية‏.‏

كما اتفقوا على أن المحارم النسبية من النّساء هن المذكورات في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ‏}‏، فهؤلاء سبع من جهة النسب كما يقول السرخسيّ‏.‏

الأول‏:‏ الأمهات بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ فأمّ الرجل حرام عليه وكذلك جداته من قبل أبيه أو من قبل أمّه، فعلى قول من يقول إن اللفظ الواحد يجوز أن يراد به الحقيقة والمجاز في محلين مختلفين يقول حرمت الجدات بالنصّ لأن اسم الأمهات يتناولهن مجازاً‏.‏

وعلى قول من يقول لا يراد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز يقول‏:‏ حرمت الجدات بدليل الإجماع‏.‏ والثاني‏:‏ البنات فعلى القول الأول بنات البنات وبنات البنين وإن سفلن حرمتهن ثابتة بالنصّ أيضاً لأن الاسم يتناولهن مجازاً، وعلى القول الآخر حرمتهن بدليل الإجماع‏.‏

والثالث‏:‏ الأخوات تثبت حرمتهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَخَوَاتُكُمْ‏}‏ وهن أصناف ثلاثة‏:‏ الأخت لأب وأمّ، والأخت لأب، والأمّ لأمّ، وهن محرمات بالنصّ فالأختية عبارة عن المجاورة في الرحم أو في الصّلب فكان الاسم حقيقةً يتناول الفرق الثلاث‏.‏

والرابع‏:‏ العمات تثبت حرمتهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَمَّاتُكُمْ‏}‏ ويدخل في ذلك أخوات الأب لأب وأمّ، أو لأب، أو لأمّ‏.‏ والخامس‏:‏ الخالات‏:‏ تثبت حرمتهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخَالاَتُكُمْ‏}‏ ويدخل في ذلك أخوات الأمّ لأب وأمّ، أو لأب، أو لأمّ‏.‏ والسادس‏:‏ بنات الأخ تثبت حرمتهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُ الأَخِ‏}‏ ويدخل في ذلك بنات الأخ لأب وأمّ، أو لأب، أو لأمّ‏.‏

والسابع‏:‏ بنات الأخت تثبت حرمتهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُ الأُخْتِ‏}‏ ويستوي في ذلك بنات الأخت لأب وأمّ، أو لأب، أو لأمّ‏.‏ أما غير المحارم فبقية القرابات غير من ذكرت كبنت الخال وبنت الخالة وبنت العمّ وبنت العمة وبنات هؤلاء‏.‏

جواز النّكاح وعدمه بين القرابة النسبية‏:‏

12 - لا خلاف بين العلماء في أن من ذكرنا من المحرمات - وهن السبع المحرمات من القرابات النسبية - أنه يحرم نكاح واحدة منهن على التأبيد‏.‏

واختلفوا بعد ذلك في البنت المخلوقة من ماء زنا الرجل هل يحلّ له أن يتزوجها، وتفصيل ذلك ينظر في ‏(‏نكاح - ومحرمات وولد زناً‏)‏‏.‏

العتق بالقرابة‏:‏

13 - في العتق بالقرابة خلاف وتفصيل بين الفقهاء ينظر في ‏(‏عتق ف /14‏)‏‏.‏

القرابة المسقطة للقصاص

14 - اتفق العلماء على أن القتل العمد المستوفي لشروطه فيه القصاص ولو وجدت قرابة، ما عدا الأصل إذا قتل فرعه واختلفوا فيه على مذاهب، وتفصيل ذلك في ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

من يتحمل الدّية من ذوي القرابة

15 - اتفق العلماء على أن من يتحمل الدّية من ذوي القرابة هم العاقلة، كما اتفقوا على أن الزوجين لا يدخلان في العصبة فلا يتحملان شيئاً من الدّية‏.‏

والتفصيل في ‏(‏ديات ف /76، وعاقلة ف /3‏)‏‏.‏

الوصية لذوي القرابة

16 - أجمع المسلمون على مشروعية الوصية لغير الوارث، أما الوصية للوارث فقد جرى فيها اختلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏وصية‏)‏‏.‏

ما يقطع أحكام القرابة من الرّدة أو اختلاف الدّين

17 - لا خلاف بين العلماء على أن أحكام القرابة تتأثر بالكفر والرّدة على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏اختلاف الدارين ف /3، واختلاف الدّين ف /2، وردة ف /47، وإرث ف /18‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ القرابة بالمصاهرة

18 - اتفق العلماء على أن سبب هذه القرابة هو النّكاح، ولمعرفة المحرمات من هذه الجهة أو المحارم‏.‏

وأحكام ذلك ينظر مصطلح ‏(‏مصاهرة، ونفقة، وزكاة ف /177، وصدقة ف /17‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ القرابة بالرضاع

19 - لا خلاف بين العلماء في أن سبب هذه القرابة هو حصول لبن المرأة في جوف الطّفل، واختلفوا بعد ذلك في الشّروط المعتبرة لتحقّق الرضاع شرعاً، وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏رضاع ف /7‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ القرابة بسبب الولاء

20 - الولاء كما قال الجرجانيّ‏:‏ هو ميراث يستحقّه المرء بسبب عتق شخص في ملكه أو بسبب عقد الموالاة، وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏عتق، وولاء‏)‏‏.‏

مراعاة حقوق القرابة وبم تكون

21 - من حقوق القرابة غير ما قدمنا ما أشار إليه ابن جزيّ في قوله‏:‏ حقوق المسلم على المسلم عشرة‏:‏

أن يسلّم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويجيبه إذا دعاه، ويشمّته إذا عطس، ويشهد جنازته إذا مات، ويبر قسمه إذا أقسم، وينصح له إذا استنصحه، ويحب له من الخير ما يحبّ لنفسه، ويكف عنه شره ما استطاع، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ويبذل له من خيره ما استطاع في دينه ودنياه، فإن لم يقدر على شيء فكلمة طيّبة‏.‏

فإن كان من القرابة فيزيد على ذلك حقّ صلة الرحم بالإحسان والزّيارة وحسن الكلام واحتمال الجفاء‏.‏

وأما إن كان أحد الوالدين فيزيد على هذا ما أشار الله إليه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً‏}‏، ويخصّص هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً‏}‏‏.‏

وقد ثبت أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت‏:‏ «إن أمّي قدمت علي راغبةً وهي مشركة - فسألت النبي صلى الله عليه وسلم - آصلها‏؟‏ قال‏:‏ نعم، صلي أمك»‏.‏

وقد حكى ابن العربيّ اتّفاق العلماء على أن صلة ذوي الأرحام واجبة وأن قطيعتها محرمة‏.‏ ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ اللّهَ الذي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ‏}‏، اتقوا الله بطاعتكم إياه، واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن برّوها وصلوها‏.‏

قَرار

التعريف

1 - في اللّغة‏:‏ قر الشيء قرّاً‏:‏ استقر بالمكان، والاسم القرار‏.‏

وقر في المكان يقرّ قراراً‏:‏ إذا ثبت ثبوتاً جامداً، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً‏}‏ أي مستقرّاً‏.‏

والقرار والقرارة من الأرض‏:‏ المطمئنّ المستقرّ‏.‏

والقرار والقرارة‏:‏ ما قر فيه الماء‏.‏

والفقهاء يستعملون لفظ القرار بعدة معان هي‏:‏

أ - بمعنى الأرض، وهذا المعنى يساير المعنى اللّغوي‏.‏

جاء في شرح منتهى الإرادات‏:‏ إذا حصل في هواء الإنسان غصن شجر غيره لزمه إزالته ليخلّي ملكه الواجب إخلاؤه، والهواء تابع للقرار‏.‏

ب - بمعنى الثّبوت وعدم الانفصال، ويطلقون على الاتّصال بالأشياء بهذا المعنى اتّصال قرار‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ المتصل اتّصال قرار‏:‏ ما وضع لا ليفصل كالبناء، وهذا المعنى أيضاً يساير المعنى اللّغوي‏.‏

ج - يستعملونه مضافاً إلى لفظ ‏(‏حقّ‏)‏ فيقولون‏:‏ حقّ القرار، ويقصدون به ثبوت حقّ الانتفاع بالعقار المستأجر والبقاء فيه دون أن يطالبه أحد بإخلائه، فهو حقّ التمسّك بالعقار، لأسباب سيأتي بيانها في البحث‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الكردار‏:‏

2 - الكِردار - بكسر الكاف - مثل البناء والأشجار والكبس إذا كبسه من تراب نقله من مكان كان يملكه‏.‏

وفي ابن عابدين‏:‏ الكردار هو أن يحدث المزارع أو المستأجر في الأرض بناءً أو غرساً أو كبساً بالتّراب بإذن الواقف أو الناظر‏.‏

وعلاقة الكردار بالقرار‏:‏ أن الكردار أحد الأمور التي تثبت حق القرار‏.‏

ما يتعلق بالقرار من أحكام

أولاً‏:‏ القرار بمعنى الأرض

حكم الارتفاق بما يتبع القرار‏:‏

للارتفاق بما يتبع القرار صور متعدّدة منها‏:‏

3 - من أخرج جناحاً إلى الطريق، فإن كان الطريق نافذًا والجناح لا يضرّ بالمارة جاز‏;‏ لأنه ارتفاق بما لم يثبت عليه ملك أحد من غير إضرار فجاز كالمشي في الطريق‏;‏ ولأن الهواء تابع للقرار فلما ملك الارتفاق بالطّرق من غير إضرار، ملك الارتفاق بالهواء من غير إضرار، وهذا عند الحنفية والمالكية والشافعية‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن ذلك جائز بإذن الإمام، وهذا على ما جاء في شرح منتهى الإرادات، لكن ابن قدامة ذكر أنه لا يجوز أن يشرع أحد إلى طريق نافذ جناحاً سواء كان ذلك يضرّ في العادة بالمارة أو لا يضرّ، ثم قال‏:‏ وقال ابن عقيل‏:‏ إن لم يكن فيه ضرر جاز بإذن الإمام‏.‏

وإن صالحه الإمام عن الجناح على شيء لم يصح الصّلح، لأن الهواء تابع للقرار فلا يفرد بالعقد‏;‏ ولأن ذلك حقّ له فلا يجوز أن يؤخذ منه عوض على حقّه كالاجتياز في الطريق‏.‏

هذا ما نص عليه الحنفية والشافعية، ولا يختلف الحكم عند المالكية والحنابلة بالنّسبة للطريق العامّ‏.‏

وإن كان الطريق غير نافذ فلا يجوز إشراع جناح فيه إلا بإذن أهله، وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وإن صالح أهل الدرب على عوض معلوم جاز‏;‏ لأنه ملك لهم فجاز أخذ عوضه كالقرار‏.‏

وقال الجصاص من الحنفية والقاضي من الحنابلة‏:‏ لا يجوز الاعتياض عن ذلك‏;‏ لأنه بيع للهواء دون القرار‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ الطريق الذي لا ينفذ لا يجوز لغير أهل السّكة إشراع الجناح فيه بلا خلاف، ولا لهم على الأصحّ الذي قاله الأكثرون إلا برضاهم سواء تضرروا أم لا‏.‏

والثاني وهو قول الشيخ أبي حامد ومن تابعه‏:‏ يجوز إذا لم يضر بالباقين، فإن أضر ورضي أهل السّكة جاز، ولو صالحوه على شيء لم يصح بلا خلاف لأن الهواء تابع، فلا يفرد بالمال صلحاً كما لا يفرد به بيعاً‏.‏

4 - من ذلك‏:‏ أنه يجوز بيع الهواء الذي فوق القرار كما يقول المالكية والحنابلة‏;‏ لأن من ملك القرار ملك الهواء الذي فوقه‏.‏

جاء في الشرح الصغير‏:‏ جاز بيع هواء فوق هواء‏.‏ وأولى فوق بناء، كأن يقول المشتري لصاحب أرض‏:‏ بعني عشرة أذرع من الهواء فوق ما تبنيه بأرضك إن وصف البناء الأعلى والأسفل للأمن من الغرر والجهالة‏.‏

وجاء في شرح منتهى الإرادات‏:‏ يصحّ شراء علوّ بيت ولو لم يبن البيت إذا وصف البيت ليبني عليه، لأن العلو ملك للبائع فجاز له بيعه كالقرار‏.‏

ومنع ذلك الحنفية‏;‏ لأن الهواء لا يجوز بيعه عندهم‏.‏

5 - ومن ذلك‏:‏ أن من صالح غيره على أن يسقي أرضه من نهره مدةً ولو معينةً لم يصح الصّلح لعدم ملكه الماء، لأن الماء لا يملك بملك الأرض‏.‏

وإن صالحه على سهم من النهر كثلث ونحوه من ربع أو خمس جاز الصّلح، وكان ذلك بيعاً للقرار أي للجزء المسمى من القرار وهو الثّلث أو الرّبع أو الخمس، والماء تابع للقرار، فيقسم بينهما على قدر ما لكلّ منهما فيه‏.‏

وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وأجاز المالكية بيع الماء المملوك دون القرار‏.‏

ثانياً‏:‏ القرار بمعنى الثّبوت وعدم الانفصال

بيع ما يتصل بغيره اتّصال قرار‏:‏

6 - التوابع المستقرة المتصلة بالمبيع اتّصال قرار تدخل في البيع ‏(‏واتّصال، القرار‏:‏ وضع الشيء بحيث لا يفصل من محلّه‏)‏ فيدخل الشجر في هذا التعريف، فإذا بيعت الأرض فالشجر المغروس فيها يدخل في البيع‏;‏ لأن الأشجار متصلة بالأرض اتّصال القرار، أما الأشجار اليابسة فلا تدخل في البيع‏;‏ لأن تلك الأشجار على شرف القلع، فهي في حكم الحطب فليس اتّصالها بالأرض اتّصال قرار‏.‏

وإذا اختلف البائع والمشتري في قرار الأشياء مثلاً، كأن يدعي المشتري أن هذا الشيء قد وضع على أن يكون مستقرّاً فهو داخل في البيع، ويدعي البائع أنه لم يوضع على أن يكون مستقرّاً فهو خارج عن المبيع، فيجري فيه التحالف‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏شجر ف /4، وبيع ف /39‏)‏‏.‏

ثالثاً - حقّ القرار وما يثبت به

7 - ما يثبت للإنسان من حقّ دوام الانتفاع بالعقار المستأجر من الوقف دون أن يطالبه أحد بإخلائه يسمى حق القرار‏.‏

وهو حقّ يثبت للمستأجر بما يأتي‏:‏

أ - بما يحدثه المستأجر من بناء أو غرس في أرض الوقف، فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين وغيره‏:‏ بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حقّ القرار، فله الاستبقاء بأجر المثل، وفي الخيرية‏:‏ وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناءً أو غرساً أو كبساً بالتّراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

ونقل ابن عابدين عن البحر أن للمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر، ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك‏.‏

ب - أن تكون الأرض معطلةً فيستأجرها من المتولّي عليها ليصلحها للزّراعة ويحرثها ويكبسها، فلا تنزع من يده ما دام يدفع ما عليها من القسم المتعارف كالعشر ونحوه، وإذا مات عن ابن توجه لابنه، فيقوم مقامه فيها‏.‏

ج - من كان ينتفع بأرض الوقف ثلاث سنين، فإنه يثبت له فيها حقّ القرار، كما يثبت حقّ القرار لمن كان ينتفع بالأرض الأميرية عشر سنين، وقيل‏:‏ ثلاثين سنةً‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

د - الخلوّ، والمراد به المال الذي يدفعه المستأجر للمتولّي أو المالك، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارته لغيره‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وممن أفتى بلزوم الخلوّ الذي يكون مقابل مال يدفعه للمالك أو المتولّي على الوقف العلامة المحقّق عبد الرحمن العماديّ قال‏:‏ فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتي بجواز ذلك للضرورة، قياساً على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخّرون‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏خلوّ ف /17‏)‏‏.‏

قراض

انظر‏:‏ مضاربة‏.‏

قِرَان

التعريف

1 - القران لغةً‏:‏ جمع شيء إلى شيء يقال قرن الشخص للسائل‏:‏ إذا جمع له بعيرين في قران واحد، والقران‏:‏ الحبل يقرن به، قال الثعالبيّ‏:‏ ‏"‏لا يقال للحبل قران حتى يقرن فيه بعيران ‏"‏، والقرن‏:‏ الحبل أيضاً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو أن يحرم بالعمرة والحجّ جميعاً، أو يحرم بعمرة في أشهر الحجّ ثم يدخل الحج عليها قبل الطواف‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإفراد‏:‏

2 - الإفراد‏:‏ هو أن يحرم بالحجّ وحده، أي أن ينويه منفرداً‏.‏

والصّلة بينهما أنهما نوعان من أنواع الحجّ، غير أن القران يتضمن نسكين، والإفراد نسكاً واحداً‏.‏

ب - التمتّع‏:‏

3 - التمتّع‏:‏ هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ من الميقات، ثم يفرغ منها ويتحلل، ثم ينشئ حجّاً في عامه من مكة‏.‏

والصّلة بينهما أن في القران إتمام نسكين بإحرام واحد دون أن يتحلل من أحدهما إلا بعد تمامهما معاً، أما في التمتّع فإنه يتمّ العمرة، ثم يتحلل منها، وينشئ حجّاً بإحرام جديد‏.‏

مشروعية القران

4 - ثبتت مشروعية القران بالكتاب والسّنة والإجماع‏:‏

أما الكتاب، فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏‏.‏

قال المرغينانيّ‏:‏ المراد منه أن يحرم بهما من دويرة أهله‏.‏

وأما السّنة‏:‏ فمنها حديث عائشة رضي الله عنها، قالت‏:‏ «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحجّ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجّ، فأما من أهل بالحجّ أو جمع الحج والعمرة لم يحلُّوا حتى كان يوم النحر»‏.‏

فقد أقر النبيّ صلى الله عليه وسلم الصحابة على القران، فيكون مشروعاً‏.‏

وأما الإجماع‏:‏ فقد تواتر عمل الصحابة ومن بعدهم على التخيير بين أوجه الحجّ التي عرفناها، دون نكير، فكان إجماعاً‏.‏

قال النوويّ‏:‏ ‏"‏وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتّع والقران من غير كراهة ‏"‏‏.‏

المفاضلة بين القران والتمتّع والإفراد

5 - بعد أن اتفق الفقهاء على مشروعية هذه الأوجه في أداء الحجّ دون كراهة، اختلفوا في أيّها الأفضل، وقد قيل بأفضلية كلّ منها، وسبق بيان المذاهب في ذلك تفصيلاً‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إفراد ف /7 - 8 وتمتّع ف /4 - 5‏)‏‏.‏

أركان القران

6 - القران جمع بين نسكي الحجّ والعمرة في عمل واحد، فأركانه هي أركان الحجّ والعمرة‏.‏ انظر التفصيل في مصطلح ‏(‏حجّ ف /46 وما بعدها، ومصطلح عمرة ف /12 - 24‏)‏‏.‏

لكن هل يلزم أداء الطواف والسعي لكلّ من الحجّ والعمرة، أو يتداخلان فلا يجب تكرارهما‏؟‏ ذهب الجمهور إلى التداخل، وأنه يجزئ الطواف والسعي عن الحجّ والعمرة، ولا يجب تكرارهما، وبه قال ابن عمر وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر‏.‏

واستدلّوا بالنقل والقياس‏:‏

أما النقل‏:‏ فحديث عائشة الذي قالت فيه‏:‏ «‏.‏‏.‏ وأما الذين جمعوا بين الحجّ والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً»‏.‏

وحديثها أيضاً لما جمعت بين الحجّ والعمرة فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجّك وعمرتك»‏.‏

وعن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة،فطاف لهما طوافاً واحداً»‏.‏ وأما القياس‏:‏ فلأنه ناسك يكفيه حلق واحد ورمي واحد، فكفاه طواف واحد وسعي واحد، كالمفرد‏;‏ ولأنهما عبادتان من جنس واحد، فإذا اجتمعتا دخلت أفعال الصّغرى في الكبرى، كالطهارتين‏:‏ الوضوء والغسل‏.‏

وقال الحنفية - وهو رواية عن أحمد - ويروى عن الشعبيّ، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وبه قال الثوريّ والحسن بن صالح، قالوا‏:‏ القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين‏:‏ طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجته‏.‏

واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏، وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره‏.‏

وبما ورد عن صُبَيّ بن معبد في قصة حجّه قارناً، قال‏:‏ «قال - يعني عمر له -‏:‏ فصنعت ماذا‏؟‏ قال‏:‏ مضيت فطفت طوافاً لعمرتي، وسعيت سعياً لعمرتي، ثم عدت ففعلت مثل ذلك لحجّي، ثم بقيت حراماً ما أقمنا، أصنع كما يصنع الحاجّ، حتى قضيت آخر نسكي قال‏:‏ هُديت لسنة نبيّك»‏.‏

وعن عليّ رضي الله عنه قال لمن أهل بالحجّ والعمرة‏:‏ تهلّ بهما جميعاً ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين‏.‏

وبأن القران ضمّ عبادة إلى عبادة وذلك إنما يتحقق بأدلة عمل كلّ واحد على الكمال‏.‏

شروط القران

الشرط الأول‏:‏ أن يحرم بالحجّ قبل طواف العمرة‏:‏

7 - وذلك فيما إذا أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحجّ فأدخله على العمرة، فإن إحرامه هذا صحيح، ويصبح قارناً بشرط أن يكون إحرامه بالحجّ قبل طواف العمرة‏.‏

أما إذا أحرم بالحجّ ثم أدخل العمرة على الحجّ، فإنه لا يصحّ إحرامه بالعمرة عند جمهور الفقهاء‏.‏

وقال الحنفية بصحة هذا الإحرام ويصير قارناً - مع كونه مكروهاً -‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏إحرام ف /22 - 28‏)‏‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يحرم بالحجّ قبل فساد العمرة‏:‏

8 - إذا أحرم بالعمرة ثم أراد أن يدخل الحج عليها ومحرم به فوقها، فقد اشترط المالكية والشافعية لصحة الإرداف أن تكون العمرة صحيحةً، وزاد الشافعية اشتراط أن يكون إدخال الحجّ على العمرة في أشهر الحجّ‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ عدم فساد العمرة شرط لصحة القران،والتفصيل في مصطلح ‏(‏إحرام ف /24‏)‏‏.‏ الشرط الثالث‏:‏

9 - أن يطوف للعمرة الطواف كله أو أكثره في أشهر الحجّ عند الحنفية، وزاد الشافعية فاشترطوا أن يكون إدخال الحجّ على العمرة في أشهر الحجّ قبل الشّروع في طواف العمرة‏.‏ والتفصيل في مصطلح ‏(‏إحرام ف 25 - 27‏)‏‏.‏

الشرط الرابع‏:‏

10 - أن يطوف للعمرة كل الأشواط أو أكثرها قبل الوقوف بعرفة‏.‏

وهذا عند الحنفية، لقولهم‏:‏ إن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين‏.‏

الشرط الخامس‏:‏

11 - أن يصونهما عن الفساد‏:‏ فلو أفسدهما بأن جامع قبل الوقوف وقبل أكثر طواف العمرة بطل قرانه، وسقط عنه دم القران، ويلزمه موجب الفساد‏.‏

أما إذا جامع بعدما طاف لعمرته أربعة أشواط فقط فسد حجّه دون عمرته وسقط عنه دم القران، ولزمه موجب فساد الحجّ عند الحنفية، تبعاً لمذهبهم في أركان القِران‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏تمتّع ف / 13‏)‏‏.‏

الشرط السادس‏:‏ أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام‏:‏

12 - ذهب الجمهور إلى صحة القران من المكّيّ ومن في حكمه وهو حاضر المسجد الحرام، إلا أنه لا يلزمه دم القران، فجعلوا هذا شرطاً للزوم دم القران، لا للمشروعية‏.‏

وقالوا‏:‏ إن اسم الإشارة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏، يرجع إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، والمعنى‏:‏ ذلك الحكم وهو وجوب الهدي على من تمتع - وهو يشمل القران - إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من حاضري المسجد الحرام، فلا هدي عليه، وقرانه وتمتّعه صحيحان‏.‏

وذهب الحنفية إلى أنه يشترط للقران أن لا يكون القارن من حاضري المسجد الحرام على الراجح‏.‏

وقالوا‏:‏ المراد ب ‏(‏ذلك‏)‏ الواردة في الآية السابقة‏:‏ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وهو يشمل القران والتمتّع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فدلت على أنه لا قران ولا تمتّع له، ولو كان المراد الهدي لقال‏:‏ ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏.‏

ويدلّ للحنفية ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن متعة الحجّ فقال‏:‏ «أهَلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع‏.‏‏.‏‏.‏ إلى أن قال‏:‏ فجمعوا نسكين في عام بين الحجّ والعمرة، فإن الله تعالى أنزله في كتابه، وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏»‏.‏

الشرط السابع‏:‏

13 - عدم فوات الحجّ‏:‏ فلو فاته الحجّ بعد أن أحرم بالقران لم يكن قارناً، وسقط عنه دم القران‏.‏